سمير عبدالباقى حول شعر العامية

إلى حديقة يملكها كل المصريين

فى السبعينيات الكئيبة وانقلاب الثورة المضادة.

بقيادة السادات على المشروع الناصرى للنهضة

والاعتراف بإسرائيل والصلح معها، ومن ثم اندلعت معارضة المثقفين

والقوى الوطنية لهذا الصلح، من أعماق هذه العتامة

والمناخ الملوث القاتم الذى أفرزته الثورة المضادة

بدأ يتشكل جيل السبعينيات، وكان شعر العامية المصرية الصوت النبيل لهذا الجيل

يقدم قصيدة ولغة شعرية وعروضا وأوزانا وايقاعات تعكس مدى الاحباط وانكسار الحلم وغياب العصر البطولى لعبدالناصر

ولعل سمير عبدالباقى فى طليعة أصوات الشعر العامى فى العقود الثلاثة الأخيرة

وأكثرهم عطاء ودأبا على الإبداع المتجدد،

وقد واجه سمير عبدالباقى مع جيله بنبل وشجاعة انتحارية الصدام مع السلطة

وطوال أعوام الثورة والغضب من مايو 1971 إلى أكتوبر 1981 انخرط فى المظاهرات الطلابية والعمالية وعانى الاعتقال والمطاردة والبطالة واختناقات حرية التعبير والنشر

وكانت القصيدة الدرامية الملحمية فى حب مصر

إعلان ميلاد الشاعر فى أتون تصاعد المد الثورى للحركة الوطنية الديمقراطية،

حيث توحد والتحم الشعر مع الأداء والانشاد الأوبرالى المهيب لمغنى الثورة

والتمرد على الاستلاب والقهر الراحل النبيل عدلى فخرى
حيث كان يصرخ من أعماق أعماقه منبها الغافلين فاضحا المتخاذلين لاعنا الخونة والمتآمرين.. لسنوات وسنوات ملآ قاعات الجامعة وساحات القرى والمعسكرات والبيوت والمسارح المتاحة، الكلمة اللى ما تبقى رصاص. ملعونة وخاينة
اتذكر وأنت بتقفل بابك لجل تنام متطمن كل مساء

إن الألوفات فى نفس الساعة بتموت م الجوع أو تحت نابالم الطيارات الأمريكية
كان يرددها خلفه ألوف الطلبة والعمال والناس البسطاء والفلاحون

وأيضا المثقفين المتناسين

الآن تلك الأيام المجيدة حينما كان لكل شيء معناه وليس بما معناه،

وحيث لم يكن الوضوح جريمة

ولم تكن البساطة والبراءة عارا ولا التواصل سطحية وتخلفا

وحين كان للوطن حدود لا على الخريطة

ولكن فى القلب رغم الغرباء وكان الغناء فعلا جميلا وموقفا

والفن أملا من لحم ودم وعشقا ينتصر على كل هزيمة،

قبل أن تتسطح دماء الأمل هدرا على مذبح الوهم الجديد

غير أن عدلى فخرى بدأ ينسحب من الحياة بعد الانسحاب الثالث الكبير من بيروت وخروج المقاومة الفلسطينية من أرضها فى عزبة إلى تونس
وبرحيله تاركا الشاعر سمير عبدالباقى فى وحدة يسبح ضد التيار،

وينشد الأشعار فى زمن المهادنة والتراجع وسقوط الرفاق فى منتصف الطريق

وتبدد الأحلام وحصار كبرياء المثقف الثورى فى مراحل تراجع وحصار وتحلل القطب الشيوعى وانحسار الثورة العالمية وهيمنة أمريكا على مقدرات الشعوب

واحتلال افغانستان وبغداد قلعة الأسود وانتهاك الإسلام والعرب

وتبعيتهم الذليلة للسيد الجديد وتفشى الفساد والقهر والاستلاب والزيف

واللامبالاة بنضالات شعبنا وحكم السماسرة والكومباردو

وتحالف السلطة مع الثروة والإعلام فى ثالوث وثنى يحكم الشعب

ويهمش المثقفين المستقلين وإفلاس نظام الحكم وترهله

وسط هذا الحصار المعتم يرتفع صوت الشاعر بشجن ثورى حزين ومهيب

وكما قلنا فى البداية فعطاء وإنجار سمير عبدالباقى شاسع ومتعدد المحاور والرؤى والصياغات والأشكال


ولكن القارئ لبعض هذه الأعمال يجد أحيانا تكرارا و اهتماما بالكم دون الكيف فى اختيار المعانى وتناول شعرى يكتفى بالآن اللحظى دون الأبدى وبالجزئى دون الكلى


غير أن الشاعر وقد استوعب دروس الأجداد والآباء العظام

النديم

وبيرم التونسى

وفؤاد حداد

وصلاح جاهين

فقد خلق شكلا متميزا لتناول كل الظواهر السياسية المحتقنة فى الآن

وجعل من اليومى والحياتى اللحظى المنفجر بالبؤس والغضب

إلى صور كاريكاتورية ساخرة وحكيمة فى إصدار جريدة شهرية

يقوم بتحريرها كلها بنفسه أو يستضيف شعراء جددا عنوانها شمروخ الأراجوز

وهى شكشكة شعرية غير دورية بالفصحى والعامية

شعارها لا يحق لنا ما لا يحق لأهلنا، إنها نشرة شعرية على قد الحال،

لا جريدة ولا حتى مجلة ومستقلة عن أى حزب وأى ملة

فى عدد 27 رباعية وربع عنوانها حكمة شبه شعبية يقول

من باع ولو غالى يرخص نفس وبضاعة

، فلا تأمنوا الكراسى السلطة خداعة

واللى كبش ناره بأيده لابد ما يصرخ

للكذب عمرين لكن الحق له ساعة
لقد أمم سمير عبدالباقى الشعر العامى وجعله حديقة عامة يدخلها جميع المواطنين،

ومطرا يسقط على جميع النوافذ، واخترع لنفسه لغة خاصة به تقترب من الموال

. لقد اتجه بشعره إلى جميع الطبقات كاسرا بذلك طبقية الثقافة والاحتكارات الاقطاعية والبرجوازية للشعر بحيث أصبح الشعر على يديه خبزا يوميا

وقماشا شعبيا يرتديه 72 مليونا